(
(
(
تدَرّعْتُ صبري جُنَّةً للنوائبِ ** فإن لم تُسالمْ يا زمان فحاربِ
عجمتَ حصاةً لا تلين لعاجمٍ ** ورُضْتَ شموساً لا يذلّ لراكبِ
كأنّك لم تقنع لنفسي بغربةٍ ** إذا لم أُنَقّب في بِلاد المَغاربِ
بِلادٌ جرى فوق البُلادة ماؤها ** فأصبح منه ناهلاً كلُّ شاربِ
فُطِمتُ بها عن كلّ كأسٍ ولَذّةٍ ** وأنفقتُ كنزَ العمر في غير واجِبِ
يبيت رئاسُ العضب في ثِنْيِ ساعدي ** مُعاوضَةً من جِيد غيداءَ كاعبِ
وما ضاجعَ الهنديُّ إلا مثلّماً ** مُضارِبه يَومَ الوغى في الضّرائبِ
إذا كانَ لي في السَيفِ أُنس ألِفته ** فلا وحشة عندي لِفقد الحبائِبِ
فَكُنتُ وَقَدّي في الصَبا مِثلُ قَدّه ** عَهدتُ إِلَيه أَن مِنهُ مَكاسِبي
فَإِن تَكُ لي في المَشرَفِيّ مآربٌ ** فَكَم في عَصا مُوسى لَهُ مِن مَآرِبِ
أَتحسبني أنْسَى وما زلت ذاكِراً ** خِيانةَ دَهري أو خيانةَ صَاحبي
تَغَذّى بأخلاقي صغيراً ولَم تَكُنْ ** ضَرائِبُه إلّا خِلافَ ضَرائبي
ويا ربّ نَبْتٍ تعتريهِ مرارَةٌ ** وقد كان يُسقى عذبَ ماء السحائِبِ
علمتُ بتجريبي أموراً جَهِلتُها ** وقد تُجْهَل الأشياءُ قبل التجارِبِ
ومَنْ ظَنّ أمْواه الخضارم عَذْبَةً ** قضى بخلاف الظنّ عندَ المشارِبِ
ركبتُ النّوَى في رحلِ كلّ نَجيبةٍ ** تُواصِلُ أسبابي بقطع السَباسِبِ
قِلاصٌ حَناهنّ الهزالُ كَأنها ** حنِيّات نَبْعٍ في أكفِّ جواذِبِ
إذا وَرَدَتْ من زرقة الماءِ أَعيُناً ** وقَفْنَ على أرجائها كالحواجِبِ
بصادقِ عزْم في الأماني يُحِلّني ** على أمَلٍ من همّةِ النفس كاذِبِ
ولا سَكَنٌ إلا مناجاة فكرضةٍ ** كأني بها مستحضرٌ كلّ غائِبِ
ولما رأيْت الناس يُرْهَب شرهُم ** تجنّبْتُهم واخترْت وَحْدَة راهِبِ
أَحتّى خَيالٌ كُنتُ أَحظى بزَوْرِهِ ** لَه في الكَرى عن مَضجعي صدّ عاتِبِ
فَهل حالَ من شَكلي عليهِ فَلم يَزرْ ** قضافةُ جسمي وابيضاضُ ذوائبي
إذا عدَّ مَن غابَ الشُهورَ لِغُربَةٍ ** عددتُ لها الأحقابَ فوقَ الحقائِبِ
وكَم عَزَماتٍ كالسيوفِ صوادِق ** تجرّدها أيدي الأَماني الكواذِبِ
ولي في سماء الشرقِ مَطلَعُة كَوكَبٍ ** جلا من طلوعي بينَ زهرِ الكواكِبِ
ألفتُ اغترابي عنه حتى تكاثَرَت ** له عُقَدُ الأيّام في كفِّ حاسِبِ
متى تَسمَعُ الجَوزاءُ في الجو مَنطقي ** تصخْ في مَقالي لارتجالِ الغرائِبِ
وكم لي به من صنوِ وُدٍّ محافظٍ ** لذي العيب من أعدائهِ غير غائِبِ
أخي ثقةٍ نادَمْتُهُ الراحَ والصبا ** له من يدِ الأيامِ غَيرُ سوالِبِ
معتّقةٌ دعْ ذكر أحْقابِ عُمرها ** فقد مُلئتْ منها أناملُ حاسِبِ
إذا خاض منها الماءُ في مُضْمَر الحشا ** بدا الدرّ منها بين طافٍ وراسِبِ
لياليّ بالمهديَّتين كأنها ال ** لآلئُ منْ دنْياك فَوقَ ترائِبِ
ليالي لم يذهبن إلّا لآلئاً ** نظمنَ عقوداً للسّنين الذواهِبِ
إذا شئتُ أنْ أرْمي الهلالَ بلحظَةٍ ** لمحتُ تَميماً في سماءِ المناقِبِ
ولو أنّ أرضي حرةٌ لأتَيتُها ** بعزمٍ يعُدُّ السيرَ ضربةَ لازِبِ
ولكنَّ أَرضي كَيفَ لي بفكاكها ** من الأسْر في أيدي العُلوجِ الغواصِبِ
لَئِن ظَفِرت تِلكَ الكِلابُ بأَكلِها ** فبعد سكونٍ للعروقِ الضوارِبِ
أَحينَ تفانى أَهلها طوْعَ فتنةٍ ** يضرّم فيها نارَه كلُّ حاطِبِ
وأَضحَت بها أَهواؤهم وكَأَنَّما ** مذاهبهم فيها اختلافُ المذاهِبِ
ولَم يرحَمِ الأَرحامَ منها أقارِبٌ ** تروّي سيوفاً من نجيع أقارِبِ
وكان لهم جَذْبُ الأصابِعِ لم يَكُن ** رواجبُ منها حانياتِ رواجِبِ
حُماةٌ إذا أبْصَرْتَهُمْ في كريهَةٍ ** رضيتَ من الآساد عن كلّ غاضِبِ
إِذا ضَارَبوا في مأزِقِ الضربِ جرّدوا ** صواعقَ من أيديهمُ في سحائِبِ
لهم يومَ طَعْنِ السُّمْرِ أيدٍ مبيحةٌ ** كُلَى الأسْدِ في كرّاتهم للثَعالِبِ
تخبّ بهمْ قبٌّ يُطيلُ صهيلُها ** بأرْض أعاديهم نياحَ النّوادِبِ
مؤلَّلَةُ الآذان تحتَ إلالهمْ ** كما حُرّفَتْ بالبريِ أقلامُ كاتِبِ
إذا ما أدارَتها على الهام خلتَها ** تَدورُ لِسَمعِ الذِكر فوقَ الكَواكِبِ
إذا سكتوا في غمرةِ الموْتِ أنْطقوا ** على البيض بيضَ المرهفاتِ القواضِبِ
تَرى شُعَل النيرانِ في خَلجِ الظبا ** تذيق المنايا من أكفِّ المواهِبِ
أُولئكَ قومٌ لا يُخاف انحرافُهُمْ ** عن الموت إن خامَتْ أسودُ الكتائِبِ
إِذا ضَلَّ قومٌ عن سَبيلِ الهُدى اهتدوا ** وأيّ ضَلالٍ للنّجوم الثواقِبِ
وكم منهمُ من صادق البأس مُفْكِرٍ ** إذا كَرّ في الأقدامِ لا في العَواقِبِ
له حملةٌ عن فتكَتَينِ انفراجُها ** كفتكِك من وجهين شاهَ الملَاعِبِ
إذا ما غَزَوْا في الرّومِ كان دخولُهُمْ ** بطونَ الخلايا في مُتون السّلاهِبِ
يموتونَ موتَ العِزّ في حَوْمةِ الوَغى ** إذا ماتَ أهلُ الجبنِ بين الكَواعِبِ
حَشَوْا من عجاجاتِ الجهادِ وسائداً ** تُعَدّ لهم في الدّفن تَحتَ المَناكِبِ
فغاروا أفولَ الشهب في حُفَرِ البلى ** وأبْقَوْا على الدنْيا سوادَ الغياهِبِ
ألا في ضمانِ اللَّه دار بِنُوطَسٍ ** وَدَرّتْ عليها مُعْصِراتُ الهواضِبِ
أُمَثّلُها في خاطري كلّ ساعةٍ ** وأمْري لها قَطْرَ الدّموعِ السواكِبِ
أَحنّ حنينَ النيبِ للمَوطنِ الّذي ** مغَاني غوانيه إِليهِ جَواذبي
ومن سار عن أرْضٍ ثوى قلبُهُ بها ** تَمَنَّى له بالجِسمِ أَوبةَ آيِبِ
ابن حمديس
(
=
عجمتَ حصاةً لا تلين لعاجمٍ ** ورُضْتَ شموساً لا يذلّ لراكبِ
كأنّك لم تقنع لنفسي بغربةٍ ** إذا لم أُنَقّب في بِلاد المَغاربِ
بِلادٌ جرى فوق البُلادة ماؤها ** فأصبح منه ناهلاً كلُّ شاربِ
فُطِمتُ بها عن كلّ كأسٍ ولَذّةٍ ** وأنفقتُ كنزَ العمر في غير واجِبِ
يبيت رئاسُ العضب في ثِنْيِ ساعدي ** مُعاوضَةً من جِيد غيداءَ كاعبِ
وما ضاجعَ الهنديُّ إلا مثلّماً ** مُضارِبه يَومَ الوغى في الضّرائبِ
إذا كانَ لي في السَيفِ أُنس ألِفته ** فلا وحشة عندي لِفقد الحبائِبِ
فَكُنتُ وَقَدّي في الصَبا مِثلُ قَدّه ** عَهدتُ إِلَيه أَن مِنهُ مَكاسِبي
فَإِن تَكُ لي في المَشرَفِيّ مآربٌ ** فَكَم في عَصا مُوسى لَهُ مِن مَآرِبِ
أَتحسبني أنْسَى وما زلت ذاكِراً ** خِيانةَ دَهري أو خيانةَ صَاحبي
تَغَذّى بأخلاقي صغيراً ولَم تَكُنْ ** ضَرائِبُه إلّا خِلافَ ضَرائبي
ويا ربّ نَبْتٍ تعتريهِ مرارَةٌ ** وقد كان يُسقى عذبَ ماء السحائِبِ
علمتُ بتجريبي أموراً جَهِلتُها ** وقد تُجْهَل الأشياءُ قبل التجارِبِ
ومَنْ ظَنّ أمْواه الخضارم عَذْبَةً ** قضى بخلاف الظنّ عندَ المشارِبِ
ركبتُ النّوَى في رحلِ كلّ نَجيبةٍ ** تُواصِلُ أسبابي بقطع السَباسِبِ
قِلاصٌ حَناهنّ الهزالُ كَأنها ** حنِيّات نَبْعٍ في أكفِّ جواذِبِ
إذا وَرَدَتْ من زرقة الماءِ أَعيُناً ** وقَفْنَ على أرجائها كالحواجِبِ
بصادقِ عزْم في الأماني يُحِلّني ** على أمَلٍ من همّةِ النفس كاذِبِ
ولا سَكَنٌ إلا مناجاة فكرضةٍ ** كأني بها مستحضرٌ كلّ غائِبِ
ولما رأيْت الناس يُرْهَب شرهُم ** تجنّبْتُهم واخترْت وَحْدَة راهِبِ
أَحتّى خَيالٌ كُنتُ أَحظى بزَوْرِهِ ** لَه في الكَرى عن مَضجعي صدّ عاتِبِ
فَهل حالَ من شَكلي عليهِ فَلم يَزرْ ** قضافةُ جسمي وابيضاضُ ذوائبي
إذا عدَّ مَن غابَ الشُهورَ لِغُربَةٍ ** عددتُ لها الأحقابَ فوقَ الحقائِبِ
وكَم عَزَماتٍ كالسيوفِ صوادِق ** تجرّدها أيدي الأَماني الكواذِبِ
ولي في سماء الشرقِ مَطلَعُة كَوكَبٍ ** جلا من طلوعي بينَ زهرِ الكواكِبِ
ألفتُ اغترابي عنه حتى تكاثَرَت ** له عُقَدُ الأيّام في كفِّ حاسِبِ
متى تَسمَعُ الجَوزاءُ في الجو مَنطقي ** تصخْ في مَقالي لارتجالِ الغرائِبِ
وكم لي به من صنوِ وُدٍّ محافظٍ ** لذي العيب من أعدائهِ غير غائِبِ
أخي ثقةٍ نادَمْتُهُ الراحَ والصبا ** له من يدِ الأيامِ غَيرُ سوالِبِ
معتّقةٌ دعْ ذكر أحْقابِ عُمرها ** فقد مُلئتْ منها أناملُ حاسِبِ
إذا خاض منها الماءُ في مُضْمَر الحشا ** بدا الدرّ منها بين طافٍ وراسِبِ
لياليّ بالمهديَّتين كأنها ال ** لآلئُ منْ دنْياك فَوقَ ترائِبِ
ليالي لم يذهبن إلّا لآلئاً ** نظمنَ عقوداً للسّنين الذواهِبِ
إذا شئتُ أنْ أرْمي الهلالَ بلحظَةٍ ** لمحتُ تَميماً في سماءِ المناقِبِ
ولو أنّ أرضي حرةٌ لأتَيتُها ** بعزمٍ يعُدُّ السيرَ ضربةَ لازِبِ
ولكنَّ أَرضي كَيفَ لي بفكاكها ** من الأسْر في أيدي العُلوجِ الغواصِبِ
لَئِن ظَفِرت تِلكَ الكِلابُ بأَكلِها ** فبعد سكونٍ للعروقِ الضوارِبِ
أَحينَ تفانى أَهلها طوْعَ فتنةٍ ** يضرّم فيها نارَه كلُّ حاطِبِ
وأَضحَت بها أَهواؤهم وكَأَنَّما ** مذاهبهم فيها اختلافُ المذاهِبِ
ولَم يرحَمِ الأَرحامَ منها أقارِبٌ ** تروّي سيوفاً من نجيع أقارِبِ
وكان لهم جَذْبُ الأصابِعِ لم يَكُن ** رواجبُ منها حانياتِ رواجِبِ
حُماةٌ إذا أبْصَرْتَهُمْ في كريهَةٍ ** رضيتَ من الآساد عن كلّ غاضِبِ
إِذا ضَارَبوا في مأزِقِ الضربِ جرّدوا ** صواعقَ من أيديهمُ في سحائِبِ
لهم يومَ طَعْنِ السُّمْرِ أيدٍ مبيحةٌ ** كُلَى الأسْدِ في كرّاتهم للثَعالِبِ
تخبّ بهمْ قبٌّ يُطيلُ صهيلُها ** بأرْض أعاديهم نياحَ النّوادِبِ
مؤلَّلَةُ الآذان تحتَ إلالهمْ ** كما حُرّفَتْ بالبريِ أقلامُ كاتِبِ
إذا ما أدارَتها على الهام خلتَها ** تَدورُ لِسَمعِ الذِكر فوقَ الكَواكِبِ
إذا سكتوا في غمرةِ الموْتِ أنْطقوا ** على البيض بيضَ المرهفاتِ القواضِبِ
تَرى شُعَل النيرانِ في خَلجِ الظبا ** تذيق المنايا من أكفِّ المواهِبِ
أُولئكَ قومٌ لا يُخاف انحرافُهُمْ ** عن الموت إن خامَتْ أسودُ الكتائِبِ
إِذا ضَلَّ قومٌ عن سَبيلِ الهُدى اهتدوا ** وأيّ ضَلالٍ للنّجوم الثواقِبِ
وكم منهمُ من صادق البأس مُفْكِرٍ ** إذا كَرّ في الأقدامِ لا في العَواقِبِ
له حملةٌ عن فتكَتَينِ انفراجُها ** كفتكِك من وجهين شاهَ الملَاعِبِ
إذا ما غَزَوْا في الرّومِ كان دخولُهُمْ ** بطونَ الخلايا في مُتون السّلاهِبِ
يموتونَ موتَ العِزّ في حَوْمةِ الوَغى ** إذا ماتَ أهلُ الجبنِ بين الكَواعِبِ
حَشَوْا من عجاجاتِ الجهادِ وسائداً ** تُعَدّ لهم في الدّفن تَحتَ المَناكِبِ
فغاروا أفولَ الشهب في حُفَرِ البلى ** وأبْقَوْا على الدنْيا سوادَ الغياهِبِ
ألا في ضمانِ اللَّه دار بِنُوطَسٍ ** وَدَرّتْ عليها مُعْصِراتُ الهواضِبِ
أُمَثّلُها في خاطري كلّ ساعةٍ ** وأمْري لها قَطْرَ الدّموعِ السواكِبِ
أَحنّ حنينَ النيبِ للمَوطنِ الّذي ** مغَاني غوانيه إِليهِ جَواذبي
ومن سار عن أرْضٍ ثوى قلبُهُ بها ** تَمَنَّى له بالجِسمِ أَوبةَ آيِبِ
ابن حمديس
(
=