(
مَجالُ لُطفِكَ بينَ النَّفْسِ والنَّفَسِ ** وسِرُّ هَدْيِكَ بينَ النّارِ والقَبَسِ
وسَيْبُ جُودِكَ قَدْ عَمَّ الوجُودَ لُهىً ** ما بَيْنَ مُنْسَجِمٍ جَوْداً ومُنْبَجِسِ
فَما عَسى أن يُطيلَ القولَ ذو لَسَنٍ ** أو ما عَسى أنْ يُطيلَ الصَّمْتَ ذو خَرَسِ
بَهَرْتَ نُوراً فَلا سِتْرٌ لِمُلْتفِتٍ ** وفِضْتَ جوداً فلا عُذْرٌ لِمُلْتَمِسِ
وعُدتَ بالحلْمِ والإجمالِ فاتَّضَحَتْ ** حُلى جَمالِكَ مِثْلَ الصُّبْحِ في الغَلَسِ
فالكُلُّ مُحتفلٌ في الحمدِ مُبتهلٌ ** سُفْلٌ كعُلْوٍ ومَرؤوسٌ كَمُرْتَئِسِ
وأيّما نِعمةٍ منْ قبلُ نَشْكُرها ** والشُّكرُ مِنْها وشُكرُ الشُّكر وَلْتَقِسِ
كَفى بِخَيْرِ البَرايا نِعمةً نَفُسَتْ ** فأعجزَ الشكرُ عَنْها كُلَّ ذِي نَفَسِ
كفى بِبَعْثِكَ خَيْرَ الرُّسْلِ مَوْهِبَةً ** عمَّتْ كِلا الثَّقَلَيْن الجِنِّ والإنِسِ
رَسُولُ يُمْنٍ حَبانا كُلَّ مُلْتَمسٍ ** ونُورُ هَدْيٍ كفانا كُلَّ مُلْتَبَسِ
حَمَى حِمى الحقِّ إرْغاماً لِمُبْطِلِهِ ** فالشِّرْكُ في مأْتَمٍ والدِّينُ في عُرُسِ
نُورٌ لِمُقتبِسٍ حِرزٌ لِمُحترِسٍ ** يُمْنٌ لِمُنتَكِسٍ نُعْمى لِمُبتئِسِ
أعْظِمْ بهِ من هُدىً لِلْمُقْتَفينَ نَدىً ** لِلْمُعْتَفين رَدىً لِلْمُلْحِدِ النّكِسِ
وقى به اللهُ من هُلْكٍ وبصَّر مِن ** شَكٍّ وطَهَّرَ مِنْ إفكٍ ومِنْ دَنَسِ
هَدَى به كُلَّ نابٍ سَمْعُه شَرهٍ ** وقادَ كُلَّ أبيٍّ طَبعُهُ شَرِسِ
حَتَّى مَحا رَسْمَ إفْكٍ كانَ مُرتَسِماً ** وأثْبتَ الدِّينَ والدُّنيا على أُسُسِ
آياتُ جُودٍ تَجلَّت في الوُجودِ ضُحىً ** ظَلَّتْ لَها فِئةُ التَّضْليل في عَبسِ
إليكَ يا مَلْجأ الرَّاجينَ قد نَزَعَتْ ** نوازعٌ بيَ إنْ تُسْتَقْصَ لا تُقَسِ
من سَفْحِ دَمعٍ بِسَفح الخدِّ مطَّردٍ ** وقَدْحِ وَجْدٍ بطيِّ الصَّدرِ منعَكِسِ
ونَهْبِ شوقٍ أباحَ السُّقم مَنْهبتي ** فالجِسْمُ في تَعبٍ والقَلْبُ في تَعَسِ
فَهَلْ سَبيلٌ تؤدِّي حِلْفَ قاصيةٍ ** إلى مَقَرِّ الهُدى من رَوْضةِ القُدُسِ
الى البشيرِ النَّذير المُجْتَبى كَرَماً ** إلى السِّراج المُنيرِ الأشرفِ النَّدُسِ
مَنْ لي بِلَثْمِ ضَريح لَثْمُهُ سَببٌ ** لِكُلِّ مُنقطعٍ باللهِ مؤتَنِسِ
روضٌ كَساهُ الرِّضى من طِيْبِه خِلَعاً ** فَلَيْسَ يَعْرَى مُحِبٌّ مِنْ هَواهُ كُسِي
يا ليتَ شِعْري وأيَّامي تُثَبِّطني ** ومَنْ سَقَتْهُ كؤوسُ العَجْزِ لم يَكِسِ
هل أكحَلُ الجفنَ من تُرْبٍ بهِ عَبقٌ ** وأرشُفُ الثَّغرَ من إظلالِهِ اللَّعِسِ
وأُبْلغُ الخَدَّ من تَعفيرهِ وَطراً ** شَوقاً لِمَوطئ نَعْلٍ طاهرٍ قُدُسي
إليكَ يا ربّ شكوَى مُبْعَدٍ قَعدتْ ** بهِ الخَطايا فلَمْ يَنْهَضْ لِمُلْتَمَسِ
غَرَّتْهُ غرّة دُنيا بالصِّبا فصَبا ** وأنَّسَتْهُ بتَهوينِ الهَوى فَنَسِي
يا ربّ رُحماكَ في تَبْليغِ مأربهِ ** فَلُطفكَ اللُّطْفُ في تيسيرِ كل عَسِي
أنا الفقير فَعُدْ بالفَضْلِ يا أمَلي ** فقَدْ دَعَوْتُكَ عن عُدْمٍ وعَنْ فَلَسِ
ثُمَّ الصَّلاةُ على المبعوثِ مَرْحَمةً ** إلى الخليقة من جِنٍّ ومِن أنَسِ
وآلهِ والصِّحابِ الغُرِّ قاطِبةً ** ما افْتَرَّ ثغرُ صَباحٍ عن لَمى غَلَسِ
)
ابن خاتمه الاندلسي
(
مَجالُ لُطفِكَ بينَ النَّفْسِ والنَّفَسِ ** وسِرُّ هَدْيِكَ بينَ النّارِ والقَبَسِ
وسَيْبُ جُودِكَ قَدْ عَمَّ الوجُودَ لُهىً ** ما بَيْنَ مُنْسَجِمٍ جَوْداً ومُنْبَجِسِ
فَما عَسى أن يُطيلَ القولَ ذو لَسَنٍ ** أو ما عَسى أنْ يُطيلَ الصَّمْتَ ذو خَرَسِ
بَهَرْتَ نُوراً فَلا سِتْرٌ لِمُلْتفِتٍ ** وفِضْتَ جوداً فلا عُذْرٌ لِمُلْتَمِسِ
وعُدتَ بالحلْمِ والإجمالِ فاتَّضَحَتْ ** حُلى جَمالِكَ مِثْلَ الصُّبْحِ في الغَلَسِ
فالكُلُّ مُحتفلٌ في الحمدِ مُبتهلٌ ** سُفْلٌ كعُلْوٍ ومَرؤوسٌ كَمُرْتَئِسِ
وأيّما نِعمةٍ منْ قبلُ نَشْكُرها ** والشُّكرُ مِنْها وشُكرُ الشُّكر وَلْتَقِسِ
كَفى بِخَيْرِ البَرايا نِعمةً نَفُسَتْ ** فأعجزَ الشكرُ عَنْها كُلَّ ذِي نَفَسِ
كفى بِبَعْثِكَ خَيْرَ الرُّسْلِ مَوْهِبَةً ** عمَّتْ كِلا الثَّقَلَيْن الجِنِّ والإنِسِ
رَسُولُ يُمْنٍ حَبانا كُلَّ مُلْتَمسٍ ** ونُورُ هَدْيٍ كفانا كُلَّ مُلْتَبَسِ
حَمَى حِمى الحقِّ إرْغاماً لِمُبْطِلِهِ ** فالشِّرْكُ في مأْتَمٍ والدِّينُ في عُرُسِ
نُورٌ لِمُقتبِسٍ حِرزٌ لِمُحترِسٍ ** يُمْنٌ لِمُنتَكِسٍ نُعْمى لِمُبتئِسِ
أعْظِمْ بهِ من هُدىً لِلْمُقْتَفينَ نَدىً ** لِلْمُعْتَفين رَدىً لِلْمُلْحِدِ النّكِسِ
وقى به اللهُ من هُلْكٍ وبصَّر مِن ** شَكٍّ وطَهَّرَ مِنْ إفكٍ ومِنْ دَنَسِ
هَدَى به كُلَّ نابٍ سَمْعُه شَرهٍ ** وقادَ كُلَّ أبيٍّ طَبعُهُ شَرِسِ
حَتَّى مَحا رَسْمَ إفْكٍ كانَ مُرتَسِماً ** وأثْبتَ الدِّينَ والدُّنيا على أُسُسِ
آياتُ جُودٍ تَجلَّت في الوُجودِ ضُحىً ** ظَلَّتْ لَها فِئةُ التَّضْليل في عَبسِ
إليكَ يا مَلْجأ الرَّاجينَ قد نَزَعَتْ ** نوازعٌ بيَ إنْ تُسْتَقْصَ لا تُقَسِ
من سَفْحِ دَمعٍ بِسَفح الخدِّ مطَّردٍ ** وقَدْحِ وَجْدٍ بطيِّ الصَّدرِ منعَكِسِ
ونَهْبِ شوقٍ أباحَ السُّقم مَنْهبتي ** فالجِسْمُ في تَعبٍ والقَلْبُ في تَعَسِ
فَهَلْ سَبيلٌ تؤدِّي حِلْفَ قاصيةٍ ** إلى مَقَرِّ الهُدى من رَوْضةِ القُدُسِ
الى البشيرِ النَّذير المُجْتَبى كَرَماً ** إلى السِّراج المُنيرِ الأشرفِ النَّدُسِ
مَنْ لي بِلَثْمِ ضَريح لَثْمُهُ سَببٌ ** لِكُلِّ مُنقطعٍ باللهِ مؤتَنِسِ
روضٌ كَساهُ الرِّضى من طِيْبِه خِلَعاً ** فَلَيْسَ يَعْرَى مُحِبٌّ مِنْ هَواهُ كُسِي
يا ليتَ شِعْري وأيَّامي تُثَبِّطني ** ومَنْ سَقَتْهُ كؤوسُ العَجْزِ لم يَكِسِ
هل أكحَلُ الجفنَ من تُرْبٍ بهِ عَبقٌ ** وأرشُفُ الثَّغرَ من إظلالِهِ اللَّعِسِ
وأُبْلغُ الخَدَّ من تَعفيرهِ وَطراً ** شَوقاً لِمَوطئ نَعْلٍ طاهرٍ قُدُسي
إليكَ يا ربّ شكوَى مُبْعَدٍ قَعدتْ ** بهِ الخَطايا فلَمْ يَنْهَضْ لِمُلْتَمَسِ
غَرَّتْهُ غرّة دُنيا بالصِّبا فصَبا ** وأنَّسَتْهُ بتَهوينِ الهَوى فَنَسِي
يا ربّ رُحماكَ في تَبْليغِ مأربهِ ** فَلُطفكَ اللُّطْفُ في تيسيرِ كل عَسِي
أنا الفقير فَعُدْ بالفَضْلِ يا أمَلي ** فقَدْ دَعَوْتُكَ عن عُدْمٍ وعَنْ فَلَسِ
ثُمَّ الصَّلاةُ على المبعوثِ مَرْحَمةً ** إلى الخليقة من جِنٍّ ومِن أنَسِ
وآلهِ والصِّحابِ الغُرِّ قاطِبةً ** ما افْتَرَّ ثغرُ صَباحٍ عن لَمى غَلَسِ
)
ابن خاتمه الاندلسي
(